فأنت عقل واحد وقلب واحد، فإذا كنت واحداً في منطق عقلك، وكنت واحداً في منطق قلبك وإحساسك، فلا بدَّ من أن يكون التّعبير واحداً، وإذا كانت لديك وسيلتان للتّعبير، فلا بدَّ من أن تتطابقا ومن أن لا يختلف أحدهما عن الآخر، وإلا كنت كاذباً في أحاديثك، لأنَّ مسألة أن يتّفقا معاً في التّعبير عنك وهما متناقضان، يعدّ مفارقة غريبة، إذ لا يمكن أن تكون متناقضاً في ذاتك يتجاذبك النّقيضان، لأنَّ معنى ذلك أنّك تكذب إمّا في قولك، إن كان قولك مخالفاً لما تؤمن به، أو في فعلك، عندما يخالف فعلك ما تؤمن به.
خلق مقيت عند الله
فلذلك يخاطب الله المؤمنين بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا}، والإيمان حقّ، والإيمان صدق، والإيمان وحدة، لذلك عندما تكون مؤمناً، فإنَّ معنى ذلك أن يصبح عقلك عقل الإيمان، وقلبك قلب الإيمان، ونهجك نهج الإيمان، وعند ذاك، كيف يمكن أن تكون هناك مسافة بين القول والفعل؟ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً...}3.
هنا نلاحظ أنَّ هذا التَّعبير القرآنيّ يوحي بخطورة موقف الإنسان أمام الله، فإذا كان الله يمقتنا فتلك الكارثة، وإذا كان الله يمقتنا أكبر المقت، فهناك الموت الرّوحيّ بكلِّ معناه، ولذلك لم نجد القرآن الكريم قد عبّر مثل هذا التَّعبير إلا في المواقع التي تمثّل الخطورة كلَّ الخطورة، {كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}4. وعندما ندرس هذه المسألة، فإنَّ إيحاءاتها وخطورتها تنطلق من أنّها تتحرّك في خطّين كلاهما خطر؛ الخطّ الأوّل، وهو أنّك تزيّف نفسك، لأنّك تجعلها في حالة التّناقض والازدواجيّة، وبذلك تضيع، لأنّ قولك حينذاك يعني شيئاً وفعلك يعني شيئاً آخر، وأنت تريد أن تنطلق في الحياة انطلاقةً سويّة، فهل تنطلق من موقع فعلك أو من منطق قولك؟!